على آله وصحبه الطيبين الطاهرين
وخاتم المرسلين وصلواته الطيبات الزكيات
سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين سيد النبيين
والنبي الأكرم صاحب الشريعة
{ والفجـر وليال عشـر والشفع والوتر } صدق الله العظيم الذى لا يقسم الا بعظيـــموالحمد لله الدى جعل من أيامنا يومآ عظيمآ بمغفرته
يوم عرفة وهو اليوم التاسع من ذي الحجة، يوم وقوف الحجاج بعرفة لذلك فهو مُرتبط بالمكان والزمان، أي أن صومه يكون متزامنا مع وقوف الحجاج أي مع بلاد الحرمين
الاثنيــن القادم هو يوم عرفة إن شاء الله
ولقد تكلمت في موضوع سابقٍ عن فضل الأيام العشر الأوائل من ذي الحجة وعظمتهاوسألخص في عُجالة سريعة
قلتُ أنالعشر الأوائل هي أفضل أيام الدنيا على الإطلاق، تتنزل فيها الرحماتوتتضاعف فيها الحسنات والعبادات والطاعات، وتغفر فيها الزلات والسيئاتوتقال فيها العثرات .
وقلت أيضا أن العمل الصالح في هذه الأيام أفضل من الجهاد في سبيل الله، والعمل الصالح لا حصر ولا حد له، والعمل الصالح مرتبط بالإيمان، فكل عمل كان خالصا لله عز وجل وموافقا لهدي رسوله صلى الله عليه وسلم فهو عمل صالح. وأعطيت أمثلة على ذلك وبعض البرامج التي يُمكن اتباعها في هذه الأيام المباركة، كالذكر والاستغفار، وختم القرآن والصيام والتصدق بالمال وصلة الأرحام، والمحافظة على الصلاة في وقتها وفي جماعة، والمحافظة على السنن والرواتب....إلخ...
سأتحدث في هذا الموضوع عن فضائل يوم عرفةهذا اليوم العظيم الذي يُكفر صيامه ذنوب سنتين كاملتين سنة ماضية وسنة مقبلة
ولن أطيل في هذا الموضوع، بل هو فقط تذكير بهذا اليوم العظيم وبفضله وباستحباب صيامه .((وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين))
***********************************
ماذا تعرفون عن يوم عرفة
يوم عرفة من الأيام العظيمة التي عظَّم الله أمرها ورفع قدرها، ففيه تُجابُ الدعوات وتُغفر الزلات ويتجاوز الله عن الذنوب العظام وتُعتق فيه الرقاب من النيران
يومٌ ينزل فيه الله تعالى إلى السماء الدنيا - نزولا يليق بجلاله وإكرامه دون تشبيه أو تكييف أو تعطيل للصفة ويباهي بعباده (الحجاج) أهل السماوات
يومٌ يشترك في فضله الحجاج وغير الحجاج، يومُ إكمال الدين وإتمام النعمة
ولقد روى مالك في الموطأ بسند مُرْسَل، ووصله الحاكم: عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما رُئي الشيطان يوما هو أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة)). "وما ذاك إلا لما يرى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام.."
فإبليس تيْتفقسْ مْزيانْ ويحثوا على نفسه التراب في هذا اليوم، تيقولْ: "العامْ كاملْ وأنا تنوسْوسْ للناس وأمنيهم وألهيهم وأعمل على تضليلهم وغوايتهم ووو...، ثم يُغفر لهم في يوم واحد"...
وَتفْقسْ يا إبليس لعنة الله عليك
يا مسلمين فقْسُوا (غيظوا) إبليس، صوموا هذا اليوم وادعوا الله وتضرعوا إليه واستغفروه، واجتنبوا كل المحرمات
يوم عرفة يومٌ أقسم به الله عز وجل في القرآن
قال الله تعالى: (( والسَّماء ذَات البروجِ{1} واليوْم المَوْعود{2} وَشاهِدٍ ومَشهودٍ{3}))
واليوم المشهود هو يوم عرفة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( اليوم الموعود: يوم القيامة، واليوم المشهود: يوم عرفة، والشاهد: يوم الجمعة )) رواه الترمذي وحسنه الألباني
وفي رواية للطبراني بسند حسن: (( اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة، ويوم الجمعة ذخره الله لنا، وصلاة الوسطى صلاة العصر))
وأقسَم به الله أيضا في قوله: (( والشفع والوتر ))
قال ابن عباس وبعض أهل العلم: "الشفع هو يوم النحر، والوتر هو يوم عرفة"
فإذا أقسم الله بشيء، فذلك يدلّ على أن المُقسم به له خصوصية عظيمة عند الله وفضل كبير، فالعظيم لا يقسم إلا بعظيم
يوم عرفة هو يوم إكمال الدين وإتمام النعمة
يومعرفة هو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه،أن رجلاً من اليهود قال له: "يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها،لو نزلتْ علينا معشر اليهود لاتخذنا ذلك اليوم عيداً"، قال: "أي آية؟"،قال: (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )).[المائدة 3]. قال عمر: " قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قائم بعرفة يوم الجمعة. متفق عليه
***********************************
يوم عرفة هو اليوم الذي أخذ الله فيه الميثاق على ذرية آدم
روى الإمام أحمد في مُسنده بسند صحيح، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم بِنَعْمان- يعني عرفة- وأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذّر، ثم كلمهم قِبَلا، قال: (( ألستُ بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين )172) أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا مِن قبلُ وكنا ذرية مِن بعدِهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون (173) )).[الأعراف]
***********************************
صيام يوم عرفة يكفر ذنوب سنتين
عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن صوم يوم عرفة فقال: (( يكفر السنة الماضية والسنة الباقية)).رواه مسلم.
وفي رواية أخرى لمسلم: (( صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يُكفّر السنة التي قبله والتي بعده ))
وهذاإنما يستحب لغير الحاج، أما الحاج فلا يسن له صيام يوم عرفة، لأن النبيصلى الله عليه وسلم ترك صومه، وروي عنه أنه نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة،وسبق ذكر هذا
صوموا يا عباد الله هذا اليوم
إياكم أن يضيع منكم هذا اليوم
فلنحرص جميعا على صيامه وعلى حفظ الجوارح من المحرمات مطلقا في هذا اليوم
يوم عرفة هو يوم مغفرة الذنوب والعتق من النار والمباهاة بأهل الموقف
عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: "ما أراد هؤلاء؟" )).رواه مسلم وغيره
اللهم اغفر لنا واعتق رقابنا من النار
وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إن الله تعالى يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة، فيقول: "انظروا إلى عبادي، أتوْني شعثا غبراً" )).رواه أحمد بسند صحيح
وروى ابن عبد البر بسند صحيح، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: " وقف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات،وكادت الشمس أن تؤوب، فقال: (( يا بلال أنصت لي الناس ))، فقام بلال ،فقال: "انصتوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم"، فنصت الناس، فقال: ((معاشر الناس، أتاني جبريل آنفًا، فاقرأني من ربي السلام، وقال: إن اللهغفر لأهل عرفات وأهل المشعر، وضمن عنهم التبعات ))، فقام عمر بن الخطابرضي الله عنه، فقال: "يا رسول الله، هذا لنا خاص؟"، فقال: (( هذا لكم،ولمن أتى بعدكم إلى يوم القيامة ))، فقال عمر رضي الله عنه: "كثر خير اللهوطاب" )).
فالله ينزل في هذا اليوم العظيم نزولا يليق بجلاله، ويدنو دنوا يليق بعظمته لا يُشبه المخلوقين (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير))
فلا تُأول ولا تُشبه ولا تكيف ولا تُعطل الصفة، وكل ما دار ببالك فالله بخلاف ذلك
((لا تدركه الأبصار وهو يُدرك الأبصار))
أقول هذا حتى تكون على علم به، وحتى لا تنحرف مع المنحرفين عن مذهبهم
خيرُ الدعاء دعاء يوم عرفة
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (( خير الدعاء دعاء يوم عرفة )).رواه الترمذي بسند صحيح
حسنا، ماذا نعمل في هذا اليوم وْشنوا نقولوا فيه
بماذا ندعوا
لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)).رواه الترمذي بسند حسن
قد يقول قائل: "هذا ثناءٌ وليس دعاء..."
سأجيبك بهذا الحديث القدسي الجميل: يقول الله تعالى: ( إذا شغل عبدي ثناؤه عليّ عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين )
البخاري والنسائي والدارمي
فإذا كنا نحن المخلوقين نكتفي بالثناء علينا دون المسألة، فما بالكم بالخالق عز وجل
فأكثروافي هذا اليوم من الذكر والدعاء والاستغفار والعتق من النار، وادعوالوالديكم وأهليكم ولجميع المسلمين الأحياء منهم والأموات، وادعوا معإخوانكم في غزة وفلسطين وفي سائر البلدان الإسلامية، وادعوا بخيري الدنياوالآخرة فإنه يرجى إجابة الدعاء فيه...
والتزموا بآداب الدعاء، وألِحوا في الدعاء ولا تستبطئوا الإجابة
وطوبى لمن فقِه الدعاء في يوم الدعاء
واحفظوا جوارحكم عن المحرمات في هذا اليوم مُطلقا
واحذروا من الذنوب التي تمنع المغفرة في هذا اليوم، كالإصرار على الكبائر، والغيبة والنميمة والرياء والكبر والكذب والجهر بالمعصية وغيرها
كيف تطمْعْ في العتق من النار وأنت مصر على الكبائر والذنوب
وكيف ترجو المغفرة وأنت تبارز الله بالمعاصي في هذا اليوم العظيم
كيف ..؟
فأسأل الله عز وجل باسمه العظيم أن يوفقنا لما يحبه ويرضى وأن يُوفقنا للعمل الصالح في هذه العشر ولصيام يوم عرفة، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنهولا شك أن ما أوردته من آيات وأحاديث كافٍ للتعريف بفضل هذا اليوم العظيم
نسأل الله العظيم أن يوفقنا أجمعين لصــوم عرفة .. اللهم آميـــن ..