وأصلي وأسلم على محمد أجمع الخلق لكل وصف حميد ، وخلق رشيد ، وقول سديد ، وعلى آله وأصحابه وأتباعه من جميع العبيد .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىالله عليه وسلم : " انظروا إلى من هو أسفل منكم ، ولا تنظروا إلى من هوفوقكم ، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم " متفق عليه .
يا لها من وصية نافعة ، وكلمة شافية وافية ، فهذا يدل على الحث على شكرالله بالاعتراف بنعمه ، والتحدث بها ، والاستعانة بها على طاعة المنعم ،وفعل جميع الأسباب المعينة على الشكر . فإن الشكر لله هو رأس العبادة ، وأصلالخير ، وأوجبه على العباد ، فإنه ما بالعباد من نعمة ظاهرة ولا باطنة ،خاصة أو عامة إلا من الله . وهو الذي يأتي بالخير والحسنات ، ويدفع السوءوالسيئات . فيستحق أن يبذل له العباد من الشكر ما تصل إليه قواهم ، وعلىالعبد أن يسعى بكل وسيلة توصله وتعينه على الشكر .
وقد أرشد صلى الله عليه وسلم إلى هذا الدواء العجيب ، والسبب القوي لشكرنعم الله . وهو أن يلحظ العبد في كل وقت من هو دونه في العقل والنسبوالمال وأصناف النعم . فمتى استدام هذا النظر اضطره إلى كثرة شكر ربهوالثناء عليه ، فإنه لا يزال يرى خلقا كثيرا دونه بدرجات في هذه الأوصاف ،ويتمنى كثير منهم أن يصل إلى قريب مما أوتيه من عافية ومال ورزق ، وخلقوخلق ، فيحمد الله على ذلك حمدا كثيرا ، ويقول : الحمد لله الذي أنعم عليوفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا .
ينظر إلى خلق كثير ممن سلبوا عقولهم ، فيحمد ربه على كمال العقل ، ويشاهد عالما كثيرا ليس لهم قوت مدخر ، ولا مساكن يأوون إليها ، وهو مطمئن في مسكنه ، موسع عليه رزقه .
ويرى خلقا كثيرا قد ابتلوا بأنواع الأمراض ، وأصناف الأسقام وهو معافى من ذلك ، مسربل بالعافية . ويشاهد خلقا كثيرا قد ابتلوا ببلاء أفظع من ذلك ، بانحراف الدين ، والوقوع في قاذورات المعاصي ، والله قد حفظه منها أو من كثير منها .
ويتأمل أناسا كثيرين قد استولى عليهم الهم ،وملكهم الحزن والوساوس ، وضيق الصدر ، ثم ينظر إلى عافيته من هذا الداء ،ومنة الله عليه براحة القلب ، حتى ربما كان فقيرا يفوق بهذه النعمة - نعمةالقناعة وراحة القلب - كثيرا من الأغنياء .
ثم من ابتلي بشيء من هذه الأمور يجد عالما كثيرا أعظم منه وأشد مصيبة ،فيحمد الله على وجود العافية وعلى تخفيف البلاء ، فإنه ما من مكروه إلاويوجد مكروه أعظم منه .
فمن وفق للاهتداء بهذا الهدي الذي أرشد إليهالنبي صلى الله عليه وسلم لم يزل شكره في قوة ونمو ، ولم تزل نعم اللهعليه تترى وتتوالى . ومن عكس القضية فارتفع نظره وصار ينظر إلى من هو فوقهفي العافية والمال والرزق وتوابع ذلك ، فإنه لا بد أن يزدري نعمة الله ،ويفقد شكره . ومتى فقد الشكر ترحلت عنه النعم ، وتسابقت إليه النقم ،وامتحن بالغم الملازم ، والحزن الدائم ، والتسخط لما هو فيه من الخير ،وعدم الرضى بالله ربا ومدبرا . وذلك ضرر في الدين والدنيا وخسران مبين .
واعلم أن من تفكر في كثرة نعم الله ، وتفطنلآلاء الله الظاهرة والباطنة ، وأنه لا وسيلة إليها إلا محض فضل اللهوإحسانه ، وأن جنسا من نعم الله لا يقدر العبد على إحصائه وتعداده ، فضلاعن جميع الأجناس ، فضلا عن شكرها ، فإنه يضطر إلى الاعتراف التام بالنعم ،وكثرة الثناء على الله ، ويستحي من ربه أن يستعين بشيء من نعمه على ما لايحبه ويرضاه ، وأوجب له الحياء من ربه الذي هو من أفضل شعب الإيمان ،فاستحيا من ربه أن يراه حيث نهاه ، أو يفقده حيث أمره .
ولما كان على الشكر مدار الخير وعنوانه قالصلى الله عليه وسلم عنه لمعاذ بن جبل : "إني أحبك ، فلا تدعن أن تقول دبركل صلاة مكتوبة : " اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك " وكان يقول : " اللهم اجعلني لك شكارا ، لك ذكارا . اللهم اجعلني أعظم شكرك ، وأكثر ذكرك ، وأتبع نصحك ، وأحفظ وصيتك " .
وقد اعترف أعظم الشاكرين بالعجز عن شكر نعم الله ، فقال صلى الله عليه وسلم : " لا أحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك " .
اللهم أسألك التوفيق والسداد والله أعلم وصلى الله وسلم على محمدا وعلى آله وأصحابه ومن تبع هداهُ إلى يوم الدين .
منقول
الحمد لله المحمود على ما له من الأسماء الحسنى ، والصفات الكاملة العظيمة العليا ، وعلى آثارها الشاملة للأولى والأخرى .